الصفحة الرئيسية » قراءة في فيلم » شجرة ليمون..
الخميس، 27 مايو 2010
شجرة ليمون..
في ذلك النهار كانت الأرملة الفلسطينية سلمى (هيام عباس) بطلة الفيلم الإسرائيلي "شجرة ليمون" إنتاج 2008 ، على موعد مع صراع عند تخوم بيّارة الليمون التي هي كل ما تمتلك، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي هو الطرف الآخر في الصراع، وحظ سلمى العاثر جعلها في مواجهته، عندما قرر أن يستقر وزوجته في بيت جديد بمحاذاة بيارتها، فأصدر قرار بإزالة أشجار بيارة سلمى بما قد تُشكل خطرا على أمنه، حيث من الممكن أن يتسلل من خلالها إرهابيون.
منذ تلك اللحظة ستبدأ سلمى بمساعدة المحامي رحلتها في الدفاع عن حقها والإصرار على حماية أشجار الليمون التي ورثتها عن أبيها من أن تُخلع، والتي تشكل مصدر رزقها الوحيد.
هذا الصراع الذي تقدمه كاتبة النص الفلسطينية "سهى عراف" والمخرج "عيران ريكليس"، المحسوب على اليسار الإسرائيلي، من المفترض أنه يكتسب أهميته بما يمثل على نطاق أوسع الصراع العربي الإسرائيلي، وحيث حال سلمى يشبه حال الشعب الفلسطيني الأعزل الذي تم احتلال أرضه بالقوة، فإن تنتصر سلمى لبعض حقها في نهاية الفيلم وتكسب قضيتها ولو جزئيا، قد يُقرأ على أنه بارقة أمل تضع الأمور في نصابها حيث لا بد أن يعود الحق لأصحابه الفلسطينيين إن هم تفانوا بالدفاع عنه، الأمر الذي جعل الكثير من الكتاب العرب يهللوا للفيلم، بعد عرضه الأول في برناله الـ 58، كما رحب الغرب بالفيلم أيضا باعتداله في تقديم صورة العربي والإسرائيلي والصراع الدائر بينهما.
بقلم/ رانية عقلة حداد
نقلا عن/ الفوانيس السنيمائية
لكن عند إلقاء نظره أعمق ستتضح من خلالها معالم أخرى مغايرة لتلك التي هلل لها هؤلاء الكتاب العرب، معالم يجب الالتفات لها وعدم إغفالها، أهمها حين يُقدَم وزير الدفاع الإسرائيلي كإنسان متفهم لعلاقة سلمى- تلك المواطنة الفلسطينية البسيطة- بأرضها وأشجارها، إلا أن تحقيق أمنه الشخصي أولوية تحتم عليه وتدفعه مرغما لاستصدار قرار يلحق الضرر ببيارتها التي من الممكن أن يختبئ فيها الإرهابيون الفلسطينيون، ثم تمضي الأحداث بالتركيز على نضال سلمى في الحفاظ على أشجار الليمون وترك فكرة الفلسطينيين الإرهابيين كتفصيلة غير رئيسية إنما كحقيقة مفروغ منها للمشاهد، وبذلك وهنا المهم يكرس صناع الفيلم صورة المقاومة والمقاومين الفلسطينيين الذين يدافعون عن حقهم وأرضهم المحتلة كإرهابيين، وبأن الإسرائيلي هو صاحب الحق في هذه الأرض وليس المُغتصِب بالتالي من البديهي أن تكون أولوياته حماية هذا الحق وحماية نفسه من هؤلاء الناس، وفي الطريق قد يتضرر فلسطيني أو إسرائيلي فليس المقصود هنا إلحاق الضرر بسلمى لأنها فلسطينية على أساس التمييز العنصري، فلو كانت إسرائيلية ولديها بيارة كهذه تشكل خطرا على الأمن سيستصدر نفس القرار بحقها.
ولعل الممثلة هيام عباس أصابت من حيث لا تدري – أو تدري- حين تحدثت في إحدى أمسيات عرض الفيلم فقالت: " إن قصة الفيلم يمكن أن تحدث في أي مكان في العالم"، وهذه نقطة أخرى مهمة حيث الصراع بين سلمى والحكومة الإسرائيلية، لا يٌقدَم كصراع له خصوصيته بين إسرائيلي محتل قوي، وبين فلسطيني صاحب حق مُغتَصب وضعيف، إنما كصراع عادي يحدث في ظروف طبيعية في أي يوم، وفي أي بقعة من العالم بين أبناء الوطن الواحد، بين مواطن بسيط لا ظهر له يسنده، وبين أصحاب نفوذ في حكومته الوطنية، وبذلك انتصار سلمى بالنهاية هو انتصار لهذا الإنسان البسيط، وبالتالي هنا تتجلى عدالة ونزاهة القضاء الإسرائيلي عندما ينتصر للحق وللإنسانية.
كما يُجمّل الفيلم صورة المُحتَل ويزوقها بتقديمه تارة كإنسان رقيق وحساس مثال ذلك زوجة وزير الدفاع المتعاطفة مع سلمى والتي تساندها في قضيتها، وتارة أخرى بتقديمه كإنسان لا يهمّه سوى إبراز الحقيقة مهما كلف الأمر، مثال ذلك الصحفية الإسرائيلية التي سعت إلى إبراز قضية سلمى في الصحف الإسرائيلية وتقديمها بشكل موضوعي دون تحيز أو تمييز مما أدى ذلك إلى إحراج وزير الدفاع أمام الرأي العام.
في أحد المشاهد تحاول زوجة الوزير الإسرائيلية المبادرة بكسر الحاجز الأمني والنفسي مع الآخر العربي بالذهاب لزيارة سلمى، لكن يحول رجال الأمن الإسرائيلي دون نجاح هذه المحاولة، في المقابل سلمى تذكر بودّ كيف إن زوجة الوزير اعتذرت عن محاولة سرقة الليمون في ليلة الاحتفال الذي أقامه زوجها الوزير في بيته، وغير ذلك هناك الكثير من الإشارات الجلية في الفيلم لتقديم فكرة التعايش كفكرة ممكنة وحل معقول لكلا الطرفين وعليهما أن يستجيبا لها، وإلا بالنتيجة سيعيش كل طرف من جهته في عزلة تامة كما يصورها المشهد النهائي في الفيلم، حيث يرتفع جدار الفصل العنصري عاليا ويعزل سلمى كما يعزل وزير الدفاع الإسرائيلي تماما، بالنتيجة القضية والمشكلة كما يطرحها اليسار الإسرائيلي تكمن فيما يسميه "الإرهابيين" – المقاومة الفلسطينية الشرعية- فـ"بقاؤهم" سيحول دون التواصل العربي الإسرائيلي والعيش بسلام معا، وكأن القضية ليست بالأساس تكمن في وجود كيان إسرائيلي لا يمتلك الشرعية ولا الحق في الوجود على هذه الأرض الفلسطينية وأنه هو –الكيان الإسرائيلي- السبب في كل هذا الدمار وهو أصل المشاكل.
منذ تلك اللحظة ستبدأ سلمى بمساعدة المحامي رحلتها في الدفاع عن حقها والإصرار على حماية أشجار الليمون التي ورثتها عن أبيها من أن تُخلع، والتي تشكل مصدر رزقها الوحيد.
هذا الصراع الذي تقدمه كاتبة النص الفلسطينية "سهى عراف" والمخرج "عيران ريكليس"، المحسوب على اليسار الإسرائيلي، من المفترض أنه يكتسب أهميته بما يمثل على نطاق أوسع الصراع العربي الإسرائيلي، وحيث حال سلمى يشبه حال الشعب الفلسطيني الأعزل الذي تم احتلال أرضه بالقوة، فإن تنتصر سلمى لبعض حقها في نهاية الفيلم وتكسب قضيتها ولو جزئيا، قد يُقرأ على أنه بارقة أمل تضع الأمور في نصابها حيث لا بد أن يعود الحق لأصحابه الفلسطينيين إن هم تفانوا بالدفاع عنه، الأمر الذي جعل الكثير من الكتاب العرب يهللوا للفيلم، بعد عرضه الأول في برناله الـ 58، كما رحب الغرب بالفيلم أيضا باعتداله في تقديم صورة العربي والإسرائيلي والصراع الدائر بينهما.
بقلم/ رانية عقلة حداد
نقلا عن/ الفوانيس السنيمائية
لكن عند إلقاء نظره أعمق ستتضح من خلالها معالم أخرى مغايرة لتلك التي هلل لها هؤلاء الكتاب العرب، معالم يجب الالتفات لها وعدم إغفالها، أهمها حين يُقدَم وزير الدفاع الإسرائيلي كإنسان متفهم لعلاقة سلمى- تلك المواطنة الفلسطينية البسيطة- بأرضها وأشجارها، إلا أن تحقيق أمنه الشخصي أولوية تحتم عليه وتدفعه مرغما لاستصدار قرار يلحق الضرر ببيارتها التي من الممكن أن يختبئ فيها الإرهابيون الفلسطينيون، ثم تمضي الأحداث بالتركيز على نضال سلمى في الحفاظ على أشجار الليمون وترك فكرة الفلسطينيين الإرهابيين كتفصيلة غير رئيسية إنما كحقيقة مفروغ منها للمشاهد، وبذلك وهنا المهم يكرس صناع الفيلم صورة المقاومة والمقاومين الفلسطينيين الذين يدافعون عن حقهم وأرضهم المحتلة كإرهابيين، وبأن الإسرائيلي هو صاحب الحق في هذه الأرض وليس المُغتصِب بالتالي من البديهي أن تكون أولوياته حماية هذا الحق وحماية نفسه من هؤلاء الناس، وفي الطريق قد يتضرر فلسطيني أو إسرائيلي فليس المقصود هنا إلحاق الضرر بسلمى لأنها فلسطينية على أساس التمييز العنصري، فلو كانت إسرائيلية ولديها بيارة كهذه تشكل خطرا على الأمن سيستصدر نفس القرار بحقها.
ولعل الممثلة هيام عباس أصابت من حيث لا تدري – أو تدري- حين تحدثت في إحدى أمسيات عرض الفيلم فقالت: " إن قصة الفيلم يمكن أن تحدث في أي مكان في العالم"، وهذه نقطة أخرى مهمة حيث الصراع بين سلمى والحكومة الإسرائيلية، لا يٌقدَم كصراع له خصوصيته بين إسرائيلي محتل قوي، وبين فلسطيني صاحب حق مُغتَصب وضعيف، إنما كصراع عادي يحدث في ظروف طبيعية في أي يوم، وفي أي بقعة من العالم بين أبناء الوطن الواحد، بين مواطن بسيط لا ظهر له يسنده، وبين أصحاب نفوذ في حكومته الوطنية، وبذلك انتصار سلمى بالنهاية هو انتصار لهذا الإنسان البسيط، وبالتالي هنا تتجلى عدالة ونزاهة القضاء الإسرائيلي عندما ينتصر للحق وللإنسانية.
كما يُجمّل الفيلم صورة المُحتَل ويزوقها بتقديمه تارة كإنسان رقيق وحساس مثال ذلك زوجة وزير الدفاع المتعاطفة مع سلمى والتي تساندها في قضيتها، وتارة أخرى بتقديمه كإنسان لا يهمّه سوى إبراز الحقيقة مهما كلف الأمر، مثال ذلك الصحفية الإسرائيلية التي سعت إلى إبراز قضية سلمى في الصحف الإسرائيلية وتقديمها بشكل موضوعي دون تحيز أو تمييز مما أدى ذلك إلى إحراج وزير الدفاع أمام الرأي العام.
في أحد المشاهد تحاول زوجة الوزير الإسرائيلية المبادرة بكسر الحاجز الأمني والنفسي مع الآخر العربي بالذهاب لزيارة سلمى، لكن يحول رجال الأمن الإسرائيلي دون نجاح هذه المحاولة، في المقابل سلمى تذكر بودّ كيف إن زوجة الوزير اعتذرت عن محاولة سرقة الليمون في ليلة الاحتفال الذي أقامه زوجها الوزير في بيته، وغير ذلك هناك الكثير من الإشارات الجلية في الفيلم لتقديم فكرة التعايش كفكرة ممكنة وحل معقول لكلا الطرفين وعليهما أن يستجيبا لها، وإلا بالنتيجة سيعيش كل طرف من جهته في عزلة تامة كما يصورها المشهد النهائي في الفيلم، حيث يرتفع جدار الفصل العنصري عاليا ويعزل سلمى كما يعزل وزير الدفاع الإسرائيلي تماما، بالنتيجة القضية والمشكلة كما يطرحها اليسار الإسرائيلي تكمن فيما يسميه "الإرهابيين" – المقاومة الفلسطينية الشرعية- فـ"بقاؤهم" سيحول دون التواصل العربي الإسرائيلي والعيش بسلام معا، وكأن القضية ليست بالأساس تكمن في وجود كيان إسرائيلي لا يمتلك الشرعية ولا الحق في الوجود على هذه الأرض الفلسطينية وأنه هو –الكيان الإسرائيلي- السبب في كل هذا الدمار وهو أصل المشاكل.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق